سورة مريم - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)}
أخرج ابن أبي حاتم، عن السدي في قوله: {فخلف من بعدهم خلف} قال: هم اليهود والنصارى.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد {فخلف من بعدهم خلف} قال: من هذه الأمة يتراكبون في الطرق، كما تراكب الأنعام لا يستحيون من الناس، ولا يخافون من الله في السماء.
وأخرج عبد بن حميد، عن مجاهد في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: عند قيام الساعة- ذهاب صالح أمة محمد- ينزو بعضهم إلى بعض في الآزقة زناة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {أضاعوا الصلاة} يقول: تركوا الصلاة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود في قوله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} قال: ليس إضاعتها تركها قد يضيع الإنسان الشيء ولا يتركه، ولكن إضاعتها إذا لم يصلها لوقتها.
وأخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: صلوها لغير وقتها.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن القاسم بن مخيمرة في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: أخروا الصلاة عن ميقاتها ولو تركوها كفروا.
وأخرج ابن أبي حاتم والخطيب في المتفق والمفترق، عن عمر بن عبد العزيز في قوله: {أضاعوا الصلاة} قال: لم يكن إضاعتهم تركها ولكن أضاعوا المواقيت.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن كعب قال: والله إني لأجد صفة المنافقين في التوراة: شرابين للقهوات: تباعين للشهوات، لعانين للكعبات، رقادين عن العتمات، مفرطين في الغدوات، تراكين للصلوات تراكين للجمعات، ثم تلا هذه الآية {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن الأشعث قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام أن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عني محجوبة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: اغتسلت أنا وآخر، فرآنا عمر بن الخطاب، وأحدنا ينظر إلى صاحبه، فقال: إني لأخشى أن تكونا من الخلف الذين قال الله فيهم: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً}.
وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، عن أبي سعيد الخدري: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلا هذه الآية {فخلف من بعدهم خلف} فقال: يكون خلف من عبد ستين سنة {أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا} ثم يكون خَلَفٌ: يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر».
وأخرج أحمد والحاكم وصححه، عن عقبة بن عامر سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «سيهلك من أمتي أهل الكتاب وأهل اللين قلت يا رسول الله، ما أهل اللين؟ قال: قوم يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات».
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه، عن عائشة أنها كانت ترسل بالصدقة لأهل الصدقة وتقول: لا تعطوا منها بربرياً، ولا بربرية، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هم الخلف الذين قال الله: {فخلف من بعدهم خلف}».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يكون في أمتي من يقتل على الغضب، ويرتشي في الحكم، ويضيع الصلوات، ويتبع الشهوات، ولا تردّ له راية قيل: يا رسول الله، أمؤمنون هم؟ قال: بالإيمان يقرؤون».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {فسوف يلقون غياً} قال: خسراً.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث من طرق، عن ابن مسعود في قوله: {فسوف يلقون غياً} قال: الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات.
وأخرج ابن المنذر والبيهقي في البعث، عن البراء بن عازب في الآية قال: الغي، واد في جهنم بعيد القعر منتن الريح.
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في البعث، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن صخرة زنة عشر أواق قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفاً ثم تنتهي إلى غي وأثام، قلت: وما غي وأثام؟ قال: نهران في أسفل جهنم يسيل فيها صديد أهل النار، وهما اللذان ذكر الله في كتابه {فسوف يلقون غياً} {ومن يفعل ذلك يلق أثاماً} [ الفرقان: 68]».
وأخرج ابن مردويه من طريق نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغي واد في جهنم».
وأخرج البخاري في تاريخه، عن عائشة في قوله: {غياً} قالت: نهر في جهنم.
وأخرج ابن المنذر، عن شقي بن ماتع قال: إن في جهنم وادياً يسمى {غياً} يسيل دماً وقيحاً، فهو لمن خلق له.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {يلقون غياً} قال: سوءاً {إلا من تاب} قال: من ذنبه {وآمن} قال: بربه {وعمل صالحاً} قال: بينه وبين الله.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {لا يسمعون فيها لغواً} قال باطلاً.
وأخرج عبد بن حميد وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {لا يسمعون فيها لغواً} قال: لا يستبون. وفي قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} قال: ليس فيها بكرة ولا عشي يؤتون به على النحو الذي يحبون من البكرة والعشي.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} قال: يؤتون به في الآخرة على مقدار ما كانوا يؤتون به في الدنيا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الوليد بن مسلم قال: سألت زهير بن محمد، عن قوله: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} قال: ليس في الجنة ليل ولا شمس ولا قمر، هم في نور أبداً، ولهم مقدار الليل والنهار، يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب، ويعرفون مقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من طريق أبان عن الحسن، وأبي قلابة قالا: قال رجل يا رسول الله، هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيجك على هذا؟! قال: سمعت الله يذكر في الكتاب {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً} فقلت الليل من البكرة، والعشي، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ليس هناك ليل، وإنما هو ضوء نور، يرد الغدو على الرواح، والرواح على الغدوّ، وتأتيهم طرف الهدايا من الله، لمواقيت الصلوات التي كانوا يصلون فيها في الدنيا، وتسلم عليهم الملائكة».
وأخرج ابن المنذر، عن يحيى بن أبي كثير قال: كانت العرب في زمانها إنما لها أكلة واحدة، فمن أصاب أكلتين، سمي فلاناً الناعم. فأنزل الله تعالى يرغب عباده فيما عنده {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الحسن قال: كانوا يعدون النعيم، أن يتغدى الرجل، ثم يتعشى. قال الله لأهل الجنة: {ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من غداة من غدوات الجنة، كل الجنة غدوات، إلا أن يزف إلى وليّ الله تعالى فيها زوجة من الحور العين أدناهن التي خلقت من زعفران».
وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم أنه قرأ {تلك الجنة التي نورث} بالنون مخففة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن شوذب في قوله: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا} قال: ليس من أحد إلا وله في الجنة منزل وأزواج، فإذا كان يوم القيامة، ورث الله المؤمن كذا وكذا منزلاً من منازل الكفار. فذلك قوله: {من عبادنا}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن داود بن أبي هند في قوله: {من كان تقياً} قال: موحداً.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وعبد بن حميد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت: {وما نتنزل إلا بأمر ربك} إلى آخر الآية». زاد ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم، فكان ذلك الجواب لمحمد.
وأخرج ابن مردويه، عن أنس قال: «سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله؟ قال: ما أدري حتى أسأل جبريل، وكان قد أبطأ عليه فقال: لقد أبطأت عليّ حتى ظننت أن بربي عليّ موجدة!... فقال: {وما نتنزل إلا بأمر ربك}».
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: «أبطأ جبريل على النبي- صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ثم أنزل، فقال له النبي- صلى الله عليهه وسلم- ما نزلت حتى اشتقت إليك فقال له جبريل:أنا كنت إليك أشوق ولكني مأمور فأوحى الله إلى جبريل أن قل له: {وما نتنزل إلا بأمر ربك}».
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي قال: احتبس جبريل عن النبي- صلى الله عليه وسلم- بمكة حتى حزن واشتد عليه، فشكا إلى خديجة، فقالت خديجة: لعل ربك قد ودعك أو قلاك، فنزل جبريل بهذه الآية: {ما ودعك ربك وما قلى} [ الضحى: 2] قال: يا جبريل، احتبست عني حتى ساء ظني، فقال جبريل: {وما نتنزل إلا بأمر ربك}.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد قال: لبث جبريل عن النبي- صلى الله عليه وسلم اثني عشرة ليلة، فلما جاءه قال: لقد رثت حتى ظن المشركون كل ظن فنزلت الآية.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: «أبطأت الرسل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم أتاه جبريل فقال: ما حبسك عني قال: كيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم، ولا تنقون براجمكم، ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون وقرأ {وما نتنزل إلا بأمر ربك}».
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: احتبس جبريل، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، وحزن فأتاه جبريل وقال: يا محمد: {وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا} يعني من الدنيا {وما خلفنا} يعني من الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة {له ما بين أيدينا} قال: الدنيا {وما خلفنا} قال: الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {له ما بين أيدينا} قال: من أمر الآخرة {وما خلفنا} من أمر الدنيا {وما بين ذلك} ما بين الدنيا والآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وما بين ذلك} قال: ما بين النفختين.
وأخرج هناد وابن المنذر، عن أبي العالية {وما بين ذلك} قال: ما بين النفختين.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي {وما كان ربك نسياً} قال: {ما كان ربك} لينساك يا محمد.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبزار والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه والحاكم وصححه، عن أبي الدرداء رفع الحديث قال: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً. ثم تلا {وما كان ربك نسيا}.
وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله.
وأخرج الحاكم عن سلمان «سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال: الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هل تعلم له سميا} قال: هل تعلم للرب مثلاً أو شبها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- {هل تعلم له سميا} قال: ليس أحد يسمى الرحمن غيره.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {هل تعلم له سميا} يا محمد هل تعلم لإلهك من ولد؟.
وأخرج الطستي، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {هل تعلم له سمياً} قال: هل تعلم له ولداً؟ قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت الشاعر وهو يقول:
أما السمي فأنت منه مكثر *** والمال مال يغتدي ويروح


{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)}
أخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {ويقول الإنسان} الآية قال: قالها العاصي بن وائل.
وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم أنه قرأ {لسوف أخرج} برفع الألف {أولا يذكر الإنسان} خفيفة بنصب الياء ورفع الكاف.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {جثياً} قال: قعوداً. وفي قوله: {عتياً} قال: معصية.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {عتيا} قال: عصيا.
وأخرج الحاكم، عن ابن عباس قال: لا أدري كيف قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {عتياً} أو {جثياً} فإنهما جميعاً بالضم.
وأخرج عبدالله بن أحمد في زوائد الزهد والبيهقي في البعث، عن عبدالله بن باباه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين».
وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم أنه قرأ {جثياً} برفع الجيم {وعتياً} برفع العين وصليا برفع الصاد.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله: {حول جهنم جثياً} قال: قياماً.
وأخرج ابن المنذر. عن ابن جريج {ثم لننزعن} قال لنبدأن.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ثم لننزعن} الآية: قال: {لننزعن من كل} أهل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {أيهم أشد على الرحمن عتياً} قال: في الدنيا.
وأخرج هناد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي الأحوص {ثم لننزعن من كل شيعة} الآية. قال: يبدأ بالأكابر فالأكابر جرماً.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث، عن ابن مسعود قال: يحشر الأوّل على الآخر، حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعاً، ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرماً، ثم قرأ {فوربك لنحشرنهم} إلى قوله: {عتياً}.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي، عن مجاهد في قوله: {لننزعن من كل شيعة} قال: من كل أمة أشد على الرحمن {عتياً} قال: كفراً.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً} يقول: إنهم أولى بالخلود في جهنم.
وأخرج الحرث بن أبي أسامة وابن جرير بسند حسن عن ابن عباس قال: إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد، جنهم وإنسهم، فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الأرض، ولأهل السماء وحدهم أكثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض، فزعوا إليهم فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا! ليس فينا وهو آت.
ثم تقاض السماء الثانية، ولأهل السماء الثانية وحدهم، أكثر من أهل السماء الدنيا، ومن جميع أهل الأرض، بضعف جنهم وإنسهم، فإذا نثروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض فيقولون: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا! ليس فينا وهو آت، ثم تقاض السموات: سماء سماء، كلما قيضت سماء عن أهلها، كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها، ومن جميع أهل الأرض بضعف، فإذا نثروا على أهل الأرض، يفزع إليهم أهل الأرض، فيقولون لهم مثل ذلك، فيرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقاض السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة، أكثر من أهل ست سموات، ومن جميع أهل الأرض بضعف، فيجيء الله فيهم، والأمم جثيّ صفوف، فينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال، فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، أين الذين كانت {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون} [ السجدة: 16] فيقومون فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادي الثالثة، ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم؟ أين الذين {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} [ النور: 37] فيقومون فيسرحون إلى الجنة. فإذا أخذ كل من هؤلاء ثلاثة، خرج عنق من النار فأشرف على الخلائق له عينان تبصران ولسان فصيح فيقول: إني وكلت منكم بثلاثة: بكل جبار عنيد، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فتحبس بهم في جهنم، ثم تخرج ثانية فتقول: إني وكلت منكم بمن آذى الله تعالى ورسوله، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حَبَّ السمسم، فتحبس بهم في جهنم، ثم تخرج ثالثة فتقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير، فتلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فتحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة: نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعي الخلائق للحساب.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث، عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن، وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً {ثم ينجي الله الذين اتقوا} فلقيت جابر بن عبدالله، فذكرت له فقال: وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه صمتاً، إن لم أكن سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن برداً وسلاماً، كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار ضجيجاً من بردهم {ثم ينجّي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً}».
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث، عن مجاهد قال: خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس فقال ابن عباس: الورود الدخول: وقال نافع: لا.
فقرأ ابن عباس {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون} [ الأنبياء: 98] وقال: وردوا أم لا، وقرأ {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} [ هود: 98] أوردوا أم لا، أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وإن منكم إلا واردها} قال: يردُهَا البَرّ والفاجر. ألم تسمع قوله: {فأوردهم النار وبئس الورد المورود} [ هود: 98] وقوله: {ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً} [ مريم: 86].
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس: أن رجالاً من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- كانوا يطلبون العاص بن وائل بدين فأتوه يتقاضونه، فقال: ألستم تزعمون أن في الجنة ذهباً وفضة وحريراً ومن كل الثمرات؟ قالوا: بلى. قال: فإن موعدكم الآخرة. والله لأوتين مالاً وولداً، ولأوتين مثل كتابكم الذي جئتم به. فقال الله: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} الآيات.
وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن قال: كان لرجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- دين على رجل من المشركين فأتاه يتقاضاه، فقال ألست مع هذا الرجل؟ قال: نعم. قال أليس يزعم أن لكم جنة وناراً وأموالاً وبنين؟ قال: بلى. قال: اذهب، فلست بقاضيك إلا ثمة. فأنزلت {أفرأيت الذي كفر بآياتنا} إلى قوله: {ويأتينا فرداً}.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أطلع الغيب} يقول: أطلعه الله الغيب؟ يقول: ما له فيه {أم اتخذ عند الرحمن عهداً} بعمل صالح قدمه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما {أم اتخذ عند الرحمن عهداً} قال: لا إله إلا الله، يرجو بها. والله أعلم.


{وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)}
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ماله وولده.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ماله وولده، وذاك الذي قال العاص بن وائل.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ونرثه ما يقول} قال: ما عنده. وهو قوله: {لأوتين مالاً وولداً} في حرف ابن مسعود {ونرثه ما عنده ويأتينا فرداً} لا مال له ولا ولد.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي نهيك أنه قرأ {كلا سيكفرون بعبادتهم} برفع الكاف. قال: يعني الآلهة كلها، إنهم {سيكفرون بعبادتهم}.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} قال: أعواناً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} قال: أوثانهم يوم القيامة في النار، تكون عليهم عوناً، يعني أوثانهم تخاصمهم وتكذبهم يوم القيامة في النار.
وأخرج عبد بن حميد، عن ابن عباس رضي الله عنهما- في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} قال: حسرة.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عكرمة مثله.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} قال: قرناء في النار يلعن بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} قال: أعداء.
وأخرج ابن الأنباري في الوقف، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله: {ويكونون عليهم ضداً} ما الضد؟ قال: قال فيه حمزة بن عبد المطلب:
وان تكونوا لهم ضداً نكن لكم *** ضدا بغلباء مثل الليل مكتوم

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7